سودانيزاونلاين.كوم
* كلما كبرت الانسانية ازدادت حكمة..
"يجب أن ندرك أن المجتمع الذي يستخدم أساليب التعذيب هو مجتمع مريض ومصاب بخلل".
هذه هي قناعة الدكتور لوران سوبيليا الذي يشرف على مركز "فحص ضحايا التعذيب والحروب" في قسم الطب الجماعي بالمستشفيات الجامعية في جنيف. وهي قناعة توصل إليها من خلال احتكاكه اليومي بضحايا التعذيب منذ نهاية الثمانينيات.
احتفلت شتى بلدان العالم امس باحياء ذكرى السادس والعشرين من يونيو ، اليوم العالمي لمناهضة التعذيب ، حيث اصدرت الجمعية العامة في عام 1948 الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي نص على حظر تعريض اي انسان للتعذيب او الحط من كرامته ، ولكن لم يكن ذلك الاعلان صفة الزامية اول مرة فقد رفضت الجمعية العامة من عام 1966 ما اصبح يعرف لاحقا «بالشرعية الدولية لحقوق الانسان» وفي عام 1975 اعتمدت الجمعية العامة اعلان حماية جميع الاشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة والعقوبة القاسية او اللاانسانية او المهينة.
وقد جرى تعريف التعذيب بانه كل فعل ينزل بشخص عن عمد الما او انواعا حادة من العذاب بدنية كانت او ذهنية ، وذلك من جانب موظفين عموميين او بتحريض منهم بهدف الحصول منه بصفة خاصة او من شخص ثالث على معلومات او اعترافات او معاقبته على فعل ارتكبه او يشتبه انه ارتكبه او تخويفه او تخويف اشخاص اخرين ، وقد ازداد اهتمام القانون الدولي بحقوق الانسان ومناهضة التعذيب عبر شبكة الاعلانات والاتفاقيات والمواثيق الدولية والاقليمية.
وقد عقد مركز الامل لضحايا العنف والتعذيب ورشة حول المناصرة لمناهضة التعذيب حيث قدم الاستاذ المحامي كمال الجزولي ورقة بعنوان الثقافة الدينية كمحفز عقدي للمناصرة ضد التعذيب.. «الاسلام نموذجا» تناول فيها اساليب او نظم التعذيب على مر العصور والعهود ومنذ تاريخ المجتمعات البشرية في عقابيل القرون الوسطى والعهد الحديث والرحلة التي قطعتها البشرية تجاه رفع قضية مناهضة التعذيب، وركز الجزولي في ورقته على الثقافة الدينية للجماعة المستعربة المسلمة في السودان ، موضحا ان خطاب الاستخلاف والتكريم موجه الى جميع الناس لا الى اصحاب «السلطان» ، الذين قال انهم يحيطون انفسهم بقدر من العصمة والقداسة» سواء في الحكم المطلق للفرد او النخبة الحاكمة او الطبقة الاجتماعية السائدة اقتصاديا وسياسيا .
وقال ان ممارسة القهر بدعوى تنزيل ارادة الله على البشر ليست وقفا على تاريخ الدولة الاسلامية وانما عرفته البشرية بمختلف اجناسها واديانها ولغاتها وثقافاتها. وبهذه الوضعية القرآنية لتكريم العقل والفطرة او المسؤولية المؤسسة على حرية الاختيار يقول الجزولي يمكن وبصورة عامة استخلاص مجمل مضمون وجوهر الموقف الاسلامي من التعذيب قبل النقاذ الى الصورة المخصوصة التي وردت بشأنه في سياق الخطاب القرآني ، ويشير بأن هذه الوضعية لم تتسرب في تاريخ الفكر الاسلامي بذات السلاسة التي هي عليها في الخطاب.
وقال الجزولي ان الخلاف ينشب دائما في تاريخ الفكر السياسي الاسلامي على تخوم العلاقة بين ارادة الله وارادة الحاكم على خلفية النقاش حول العلاقة بين ارادة الله وارادة البشر.ويرى الجزولي بان اقدم واقوى قراءة مفهومية اسلامية للانسان وحقوقه وردت في سياق الصراع الفكري والسياسي حول منظومة المفاهيم القرآنية للتكريم والاستخلاف والعقل والاختيار والعدل والمسؤولية.
وخلص الجزولي في نهاية ورقته بأن الاعتراف والاقرار في الشريعة الضاربة في جذورها في مصادرها المقدسة مثلما في القانون الوضعي المستند الى الفطرة السليمة وان قاعدة القبول والاستبعاد فيما يتصل بالاعتراف والاقرار في القرآن والسنة والفقه مؤسسة على ضرورة التحقق من توفر عنصر الاختيار او نقيضه الاكراه قبل التقرير بشأن صحة او عدم صحة الاقوال الصادرة من المقر.
وقدم الدكتور مرتضى الغالي ورقة باسم خصائص اجهزة الاعلام ومطلوبات المناصرة ، حيث قال بأن وسائل الاعلام الجماهيرية كيانات اتصالية قوية وذات تأثير على كيفية رؤية الناس للعالم وهي الرباط الوحيد للشخص بالاحداث التي تدور خارج غرفة المعيشة .وقال ان لوسائل الاعلام تأثيراتها في اظهار او تحريف واحياء او اغتيال قضايا المجتمع وضرب مثلا بقضية دارفور واسعار الاسمنت وتكوين لجنة الدستور، ويقول مرتضى في العالم المعاصر وفي ظل التطور التقني والسياسي والاجتماعي والثقافي اصبحت وسائل الاعلام عنصرا مفتاحيا في استحضار المشاركة الشعبية من اجل تنمية مستدامة.
ويرى مرتضى بأن وسائل الاعلام هي القناة العصرية التي يمكن عبرها تشكيل الرأي العام والتأثير في ذات الوقت على صانعي القرار والمناصرة ضد التعذيب ،والتي قال من بينها القوانين والوقائع وحالات التعويض والعلاج والتأهيل ورد المظالم والتصديق ،الحصانة ، عدم الافلات من العقاب ، نشر الثقافة ، التضامن المجتمعي ، الرصد والرقابة.ويقول مرتضى ان مفهوم ا لمناصرة وفق المنظمة السودانية لمناهضة التعذيب نتاج لمحصلة التأثيرات المطلوبة على السياسات العامة وتخصيص الموارد والقرارات عبر الانظمة السياسية والاقتصادية والمؤسسات بما يؤثر مباشرة على حياة جماهير المواطنين .
ويرى بأن المناصرة تشكل منظومة دفاع ودعم لحقوق ضحايا التعذيب وعوائلهم وضحايا انتهاكات حقوق الانسان الاخرىويقول ان الهدف الرئيسي من استراتيجية المناصرة هو انهاء ثقافة الحصانة والتحرش والانتهاكات واستبدالها بثقافة المحاسبة واحترام الكرامة الانسانية.ويرى الاستاذ علي محمد عجب بأن المناصرة هي عملية تهدف الى تطوير قضايا محددة عن طريق الوصول الى تغيرات محددة في السياسة العامة وانها تحتوي على العديد من الافعال المنظمة والمخططة تهدف الى التأثير على عملية صنع القرار والمساعدة في البناء وخلق مناخ موات لتطبيق او تغيير او انفاذ القانون.
ويقول المحامي عز الدين عثمان في ورقته المناهضة والملاحقة في افاق تحول ديمقراطي ، بان ممارسة التعذيب تكاد تمثل سياسة منهجية للعديد من المؤسسات عبر تاريخ السودان سواء في الفترات الشمولية او العسكرية او سنوات الحكم المدني.ويرى بأن التعذيب لا يقتصر على الضحايا من السياسيين وانما يمثل التعذيب واضطهاد المشتبه بهم والمتهمين في القضايا الجنائية العادية عادة متأصلة في اداء اجهزة بعينها ، ويقول بأن تعذيب السياسييين او المعارضين للانظمة الحاكمة يقل في فترات الحكم الديمقراطي كما ان حالات التعذيب تجد حظها من الفضح في فترات القمع الشمولية عبر انشطة منظمات حقوق الانسان والقوى السياسية وان التعذيب كممارسة تطال غير السياسيين في الحراسات المختلفة.
وعزا الافلات من العقاب والفشل في ملاحقة مرتكبي جرائم التعذيب الى ان القانون العقابي السوداني لا يعرف هذه الجريمة بالمعنى المتعارف عليه دوليا كما ان السودان لم يصادق على اتفاقية مناهضة التعذيب وتجاهل المحاكم للادعاء بوقوع تعذيب وطلبها من الضحايا القيام بفتح بلاغات منفصلة بذلك بالاضافة الى الحصانات الممنوحة لموظفي انفاذ القانون واشتراط الاذن لبدء الاجراءات ضدهم.
ويقول عز الدين ان هناك العديد من الاستراتيجيات للمناهضة والمحافظة ، من بينها الرصد والفضح والمواجهة والتفاوض والمشاركة.بمناسبة اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب،
يقول الدكتور لوران سوبيليا، المشرف على مركز "فحص ضحايا التعذيب والحروب" في جنيف.والذي يعالج الضحايا والجلادين ايضا ان افضل وقاية من التعذيب هي إعادة التاهيل، فعندما توافق حكومة ما على إعادة تأهيل ضحايا التعذيب فهي تقر بأن المشكل قائم، لكن عندما تكتفي بالوقاية، فهي تنفي نوعا ما وجوده.
وعبر رئيس المركز الذي يعالج الضحايا والجلادين أيضا، عن استيائه من تدني ظروف الاستقبال والتكفل بضحايا التعذيب جراء تشديد قوانين اللجوء والهجرة في سويسرا. وقال إن الإمكانيات المخصصة لكسر شخص ما في مؤسسات السجن والاعتقال ضخمة جدا، بينما تظل الإمكانيات المرصودة لإصلاح الكسر الذي ألحق بالفرد هزيلة جدا! وقد لاحظ فريق الدكتور سوبيليا أن القمع السياسي يظل من أهم العوامل المتسببة في ظاهرة التعذيب، فـ18% من الضحايا التي تصل إلى مركز جنيف تؤكد أنها تعرضت للتعذيب، بينما يقول 61% إنهم عايشوا مآسي مثيرة للصدمة من جراء الحروب أو المجاعة.وعن أصول الضحايا التي تقصد المركز، أوضح الدكتور سوبيليا أن فريقه استقبل قبل سنتين أشخاصا ينحدرون من 51 جنسية. أما حاليا، فمعظم الذين يعالجهم المركز الجديد هم أبناء منطقة الشرق الأوسط. وقال الدكتور سوبيليا بهذا الشأن: "لدينا الكثير من العراقيين الآن. وكذلك ضحايا من مصر والجزائر وتونس على سبيل المثال. إن العالم العربي ممثل بشكل جيد، ومنطقة البلقان أيضا" ويقصد مركز جنيف عدد ملفت من ضحايا التعذيب في العالم العربي، خاصة من العراق ومصر والجزائر وتونس. Keystone
ومن المقرر ان تحتضن الخرطوم حملة لدفع الحكومة الى المصادقة على اتفاقية مناهضة التعذيب وتشارك فى الحملة منظمات حكومية وغير حكومية وتطالب الحكومة كذلك بجعل التعذيب جريمة يعاقب عليها القانون ،والحملة ينظمها مركز الامل للتأهيل وكذلك مركز الخرطوم لحقوق الانسان ،وهى حملة تطالب الحكومة السودانية بالاسراع فى التطبيق الفورى على اتفاقية مناهضة التعذيب وتطالب الحكومة ايضا ان يتضمن القانون الجنائى تجريم واضح للتعذيب وتعريف له كذلك .
وهذه الحملة ترى ان تطبيق على هذه الاتفاقية سيعزز حماية حقوق الانسان فى السودان والقضاء على التعذيب سيكون ممكنا اذا تمت المصادقة هذه المنظمات والتى من بينها المجلس العام لعلاج ضحايا التعذيب وادارة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة والمجلس الاستشارى لحقوق الانسان وسيقدمون ايضا وثيقة للبرلمان ولرئيس الجمهورية يطالبون فيها بالتصديق الفورى. كذلك الحملة تطالب فى حالة الادعاء بالتعذيب او اساءة المعاملة يجب اجراء تحقيق سريع ونزيه وفاعل استنادا على دليل الامم المتحدة المتعلق بالتقصى والتوثيق بشأن التعذيب.
No comments:
Post a Comment