بعد عشرين عاماً من إغتياله نداء دم الشهيد علي فضل:
القصاص
Apr 20th, 2010
د/ محمد عبد القادر هلال
Apr 20th, 2010
د/ محمد عبد القادر هلال
عاش متزن ونبيل
زيو وزي أي زميل
قابض على الإصرار
على يوم حياتي جميل
كالخضرة في الأشجار
والموية جوه النيل
عاش متقد زي نار
خلوية عزَّ الليل
زول لي طريقو اختار
واختاروا دوغري عديل
لم يكن الشهيد علي في دأبه السياسي يسعى إلى أن يكون بطلاً: لو كان شيئاً مثل هذا وارداً في النضال السياسي المدني. لكن استبساله في أقبية التعذيب التي نصبتها الجبهة الإسلامية القومية عقب انقلابها في 30 يونيو 1989 جعلت البطولة تسعى إليه. على إذا أدير شريط الماضي وأبصر علياً أمام عيني يحمل على عاتقه المهام الجسام ويتصدى لما يعصي من مهام العمل اليومي على مدار حياته الفقيرة وسنىَّ شبابه الناضج فإنني أبصر نمط البطل يطل ويقفز من ثنايا الماضي. وكيف لا؟ وقد كان علي مقداماً، لا يتوانى ولا يرشح أحد آخر لأن يتولى مهمة إذ استقر رأي الجماعة عليه. وكان في أدائه لتلك المهام الرئيسية ليهتم بالرئيسي من الأمور ويجتهد ألا يهمل التفاصيل. كأنما كان رساماً يعمل على لوحات أو مثالاً ينحت النقوش. كان لا يكلَّ ولا يشكو. كان يتسامى وكان يحب كل من عمل معه في الفريق من يكبره ومن يصغره. ومن نافلة القول أنه ترفع عن الصغائر لأنه لم يقف عندها.
عاش الشهيد دكتور علي فضل أحمد حياة قوامها المسئولية والدأب والحرص على المثل العليا. طوال تنقله بين مستشفيات العاصمة والأقاليم طبياً للإمتياز، وطبيباً عمومياً ثم نائباً في الطب الوقائي والصحة العامة كان محور اهتمامه مسألتان: رعاية مرضاه ومقاومة المرض من الناحية الأخرى ونضاله الدؤوب في حزبه الذي وضعه في حدقة العين: الحزب الشيوعي السوداني. وقد امتدت رعايته للمرضى إلى عيادته الخاصة التي افتتحها بالديوم الشرقية حيث كانت تقطن أسرته وتمتد منازل جيرانه ومنظوم العلاقات السودانية الإجتماعية.
وحيث كان ينشط شباب الديم في الساحة الرياضية. وهكذا كانت عيادته الخاصة فرعاً من تلك الشجرة الكبيرة الوارفة الظلال في السودان القديم والذي ابتعد عنا الآن مقدار عشرين عاماً فقط. (فهل نستعيده يوماً ما في ثياب معاصرة: تلك هي المهمة التي يُجنّد النساء والرجال والشباب أقدارهم لخدمتها).
عمل الشهيد علي فضل بعد الانتفاضة (حيث بدأت فترة علي من الأداء)عضواً بالمكتب القيادي لقطاع الأطباء للحزب الشيوعي.. ثم مسئولاً سياسياً للقطاع عام 1987. وتلك هي صفته السياسية حزبياً حين استُشهد. كما عمل الشهيد سكرتيراً تنظيمياً منتخباً لرابطة الأطباء الاشتراكيين من مؤتمرها لعام 1985 وامتدت تلك المسئولية حتى عام 1989 وهي المسؤولية التي على أساساها لجأ للعمل نصف العلني في سبتمبر 1989، ثم للعمل السري عند إضراب الأطباء في 26/11/1990.
وكما يعلم المعاصرون للثمانينات المنصرمة إن الشكل التنظيمي للأخوان المسلمين المسمى الجبهة القومية الإسلامية انبثق عام 1985. وقد جاء ذلك بعد سبعة أعوام من العمل العلني بقيادة حسن الترابي في ظل حكومة مايو ونظام النميري (1978- 1985) وهي فترة الانعطاف المايوية الموسومة بأحداث ثلاثة (1) (المصالحة الوطنية) (2) قوانين الشريعة الإسلامية في سبتمبر 1983، (3) إشعال الحرب الأهلية في الجنوب (1983). حقق التنظيم في إهابه الجديد طفرة كبرى معتمداً على ثقل التمويل.
ومن ضمن خطوطه الجديدة الجهاز الأمني للتنظيم بقيادة عميد استخبارات مايوي بارز. عمل الجهاز الأمني على رصد نشاط الحزب الشيوعي والنشاط الحكومي والنشاط الديمقراطي المعقد للحركة الشعبية (حركة قرنق).
لم يغب عن الجهاز الأمني الذي ضم أطباء نشاط الشهيد علي وسط الأطباء الديمقراطيين والاشتراكيين والشيوعيين بل رصدوا تقدمه باقتراح الإضراب (والذي كان محل إجماع الأطباء) في إضراب الأطباء لفبراير 1989، ذلك الاقتراح الذي تقدم به الشهيد في الفرعية الأكبر للنقابة (فرعية مستشفيات الخرطوم، كما رصدوا نشاطه بعد إنقلابهم ووضعوه في قائمة المطلوبين للاعتقال في سبتمبر 1989- كما رصدوا اختفاءه بعد إضراب الأطباء – 26/11/1990- هو وزميليه د. بابكر يحي جراح الأذن والأنف والحنجرة ود. عبد الملك الهدية النائب بالطب الوقائي والصحة العامة.
(راجع كتاب رابطة الأطباء الاشتراكيين: علي فضل شهيداً).
لقد اعتقل الشهيد في 30/3/1990، وظل يتعرض لتعذيب مبرمج انتهى بقتله في 21/ أبريل/1990، حيث فاضت روحه الطاهرة في السلاح الطبي بأم درمان بعد ساعة من إحضاره بواسطة منسوبي جهاز الأمن والحرس وهو يحتضر.
القصاص: لقد راجع زملائنا الأطباء في الخارج السجل العالمي لمناهضة التعذيب واستوقفتهم حادثة تشيليه” لقد لقي بعض الجلادين جزاء ما اقترفوا من قتل بعد عشرات السنين. تلك الحادثة جرت في معتقل إستاد سانتياجو عام 1973 حينها قام 4 جلادين بقتل معتقل سياسي وشاهدهم 3 معتقلين.
مرت سنوات عديدة وفي عام 2006 جاء 2 من الشهود ظلوا على قيد الحياة ليشهدوا ضد واحد فقط من القتلة ظل حياً ولقي القاتل جزاءه- وهكذا دارت الأفلاك والأزمنة لتستقر بوصله الحقيقة.
وبخصوص القصاص لدم الشهيد على فضل نطالع الآتي من رابطة الأطباء الاشتراكيين بالخرطوم: ( إننا نرى ونقف مع الرؤية القانونية أن كل من هو ضالع في جرائم التعذيب بأي صورة من الصور سواء بإصدار التعليمات أو إعطاء الضوء الأخضر أو القيام بتنفيذها هو متهم بالدرجة الأولى ولست هناك حصانة قانونية أو دبلوماسية للمتورطين في هذا النوع من الجرائم كما لا تملك أي جهة إسقاطها أو إصدار العفو عن مقترفيها) (رابطة الأطباء الاشتراكيين الخرطوم 21 أبريل 2008).
استناداً على كل ذلك أخلص إلى الآتي:
1. إن هناك بلاغ فتحه القاضي المقيم بمحكمة أم درمان جنوب رقم 903/1990 وتحديده لجهاز الأمن كمتهم مباشر بالقتل تحت المادة 251 من قانون العقوبات لسنة 1983 وهو بلاغ شديد الوضوح. فمن أوقف الإجراءات القضائية؟ أنهم القتلة أنفسهم.
2. هناك شهادة الطبيب الشرعي المسؤول بوزارة الصحة في عام 1989، والذي كان تقريره شديد الوضوح أن هناك إصابة بالرأس تسببت في نزيف بالدماغ وهو سبب الوفاة.
3. هناك شهادة رئيس وحدة العظام المشرفة على نوبتجية السلاح الطبي في 21 أبريل 1989 وأنه تم استدعاءه لمعاينة الشهيد ووجده في ظرف غير طبيعي وغير مرضي (وإن ملابسه كانت ملتصقة بجسمه)، (وإن ذلك كان حادثاً وليس مرضاً بالمعنى السريري).
أخلص إلى أن عناصر القضية متوفرة وتتطلب مواصلة المجهود الذي بدأه المحامي عبد الله إمام عام 1990، ومجهودات أخرى متقطعة.
وهذا بمثابة نداء إلى القانونيين والمحاميين الشيوعيين والديمقراطيين وأصحاب الضمير الحي ليضعوا هذه الحقائق نصب أعينهم وينشدوا إعادة فتح ملف القضية.
وما ضاع حق وراءه مطالب.