Pages

Testimonies

Monday, March 07, 2005

Ghost Houses: It's Never Stopped

from: http://www.sudanile.com/ 3/7/2005

الامن السوداني والعودة لعهد بيوت الاشباح
جمال علي التوم
gamal_eltom@yahoo.com

المعلومات الواردة حول إعتقال د. مضوي إبراهيم أدم ، والسيد صلاح محمد عبد الرحمن ، منذ شهر يناير الماضي ، دون أن توجه لهم تهمة محددة ، ودون أن يعرف مكانهم ، أو أن يسمح لاحد بمقابلتهم لاكثر من شهرين بالنسبة لدكتور مضوي ، وحتى الان بالنسبة للسيد صلاح ، تفيد بأن إعتقالهم يتم في مركز إعتقال غير رسمي يطلق عليه أسم سجن أبو غريب ، تشبيها له بأسم ذلك السجن المشهور في العراق والذي قام فيه الجنود الامريكان بتعذيب السجناء العراقيين بصورة أصابت العالم كله بالصدمة الشديدة لبشاعة الصور المعروضة عن أساليب التعذيب المستخدمة فيه.
والكيفية التي إعتقل بها د. مضوي ومعاملته خلال فترة سجنه ، وغياب المعلومات حول السيد صلاح ، تعيد الذاكرة لعهد أسود ظن الكثيرين أن السودان قد تجاوزه بغير رجعة ، وهو عهد بيوت الاشباح سيئة الذكر مثل مقر لجنة الانتخابات العامة ، والمبني خلف عمارة التأمينات العامة وغيرها من مراكز الاعتقال السرية التي لا تخضع لاي قيود قانونية أو أخلاقية ، والتي مورست فيها أبشع إنتهاكات لحقوق الانسان عرفها السودان في تاريخه.
تترابط أحداث الاعتقالات الاخيرة مع كثير من الشواهد ومجريات الاحداث في مناطق متعددة من السودان ، والبيانات والتقارير الصادرة من منظمات حقوق الانسان الي أن هناك نمطا منظما ، ومتصاعدا من إنتهاكات حقوق الانسان ، تقوم به مجموعات في داخل أجهزة أمن النظام السوداني. ويمكن رصد بدايات هذا التصاعد في الحملات الامنية التي إستهدفت حزب المؤتمر الشعبي وإتهام أعضائه بمحاولة تغيير النظام بالقوة ، وتعرض كثير من هؤلاء المعتقلين للتعذيب لدرجة وفاة البعض منهم تحت التعذيب. ثم تصاعدت وتيرة الانتهاكات بتفجر أزمة دارفور، والتي شكلت سياسات الحكومة في التصدي لها عودة للنمط الامني والاستخباراتي الذي مورس في بداية عهد الانقاذ في جنوب البلاد ، وجبال النوبة ، عبر إتباع سياسة الارض المحروقة ، وإطلاق يد الاجهزة الامنية والاستخباراتية ومنحها سلطات مطلقة في الاعتقال والتعذيب والقتل لا يحدها قانون ولا ضابط. ومثلما حدث في السابق لم تعود مثل هذه السياسية على الحكومة بأي منافع أو مكاسب بل على العكس مثل السابق تماما ، عادت و تعود عليها بالوبال والسخط المحلي والدولي ، وفرض عزلة داخلية وأقليمية ودولية عليها.
إن هذا التصعيد في ملف حقوق الانسان يأتي بعد فترة إنفراج نسبي خلال الاعوام التي أعقبت الانقسام الحاد في التنظيم الحاكم ، ونزوع المجموعة التي إستأثرت بالسلطة لالقاء تبعات ممارسة الانتهاكات المريعة لحقوق الانسان ، على عاتق الفريق الاخر. وأدت خطوات مثل توقيع إتفاقية تعاون مع الامم المتحدة لتعيين خبير لمساعدة الحكومة السودانية في تحسين سجلها في مجال حقوق الانسان ، وإعلان العفو العام عن كافة المعارضين في عام 2000 ، والتراجع أمام الضغوط السياسية لتوفير مساحة أوسع للحريات السياسية عبر التعديل المحدود في قانون التوالي السياسي ، والتراجع أمام المواقف القوية لقيادات إعلامية وصحفية وإعلان الغاء الرقابة على الصحف و توسيع مساحة الحريات الاعلامية المتاحة ، وإنطلاق كثير من منظمات المجتمع المدني وعلى راسها منظمات حقوق الانسان ومنظمات المرأة في العمل دون الالتفات للقيود الحكومية المقيدة لنشاطها ، على الرغم من الاعتقالات والاستدعاءات التي تتم لقياداتها ، ثم أخيرا الضغوط الخارجية القوية على الحكومة السوداني من أجل الشروع الجدي في محادثات السلام لانهاء الحرب الاهلية في جنوب البلاد ، وهو الامر الذي تمخض عنه إتفاقية السلام الموقعة في يناير الماضي.
كل هذه الخطوات مكنت الحكومة من الظهور بمظهر التحول نحو إحترام حقوق الانسان ، وتجاوز المرحلة السابقة وفتح صفحات جديدة ، على الرغم من عدم قيام الحكومة بإبداء أي موقف رسمي ناقد أو نادم على الانتهاكات المريعة السابقة ، أو التعبير عن إستعدادها للتحقيق في تلك الانتهاكات التي تمت خلال سنوات الانقاذ ، ورصدتها منظمات حقوق الانسان بالتوثيق الدامغ ، ولازال كثير من ضحاياها أحياء يرزقون ، أو إبداء إستعدادها لتقديم أي نوع من أنواع الاعتذار لضحايا هذه الانتهاكات ، وكان من التصريحات النادرة في هذا الشأن تصريح القيادي الاسلامي المعروف إبراهيم السنوسي في لقاء صحفي معه إعترافه بهذه الممارسات والطلب من الله أن يغفر لهم عما تم في تلك الفترة من إنتهاكات ، وكذلك ابدى القيادي الاسلامي في حزب المؤتمر الشعبي علي الحاج إستعداد حزبه لتقديم نقد ذاتي لتجربتهم في الحكم دون الإدانة الواضحة للانتهاكات التي تمت في السابق وحين كان حزبه مشاركا أصيلا في تلك الممارسات ، كما ذكر سراج الدين حامد رئيس لجنة حقوق الانسان في الخارجية خلال عام 2000 لجريدة الشرق الاوسط أن الانتهاكات التي ارتكبتها الحكومة كانت بمثابة صدمة للجميع ولكنه لا يرى مصلحة في نبش الماضي!!
لقد نجحت الحكومة في حملتها من أجل الغاء قرار الامم المتحدة بتعيين مراقب خاص لاوضاع حقوق الانسان في السودان ، المعين منذ العام 1994، كما قامت باستغلال تعاونها الا محدود في الحرب الامريكية ضد الارهاب في الحصول على دعم وتأييد الولايات المتحدة لموقفها السياسية ، وذهبت أبعد من ذلك بتصوير بداية الاحداث في دارفور بإعتبارها من صنع جماعات إسلامية متطرفة تلقى الدعم والتأييد من حزب المؤتمر الشعبي ، وإمكانية تحول المنطقة لبؤرة للارهاب الدولي ، وحقها في التصدي لذلك ، وعليه قامت بإتخاذ مزيدا من الاجراءات الامنية ضد قيادات الحزب وأطلقت يد المليشيات المسلحة في دارفور لتسوية أزمتها مع حزب المؤتمر الشعبي ، وهي الاجراءات التي نجمت عنها فظائع وإنتهاكات مريعة صدمت العالم وجعلت دارفور توصف بانها جحيم على الارض وأكبر ماساة إنسانية في العالم الان.
في ظل هذه الاجواء تواصل بعض عناصر النظام الامنية نفس الممارسات السابقة ، التي أقترفت خلالها الكثير من الجرائم والإنتهاكات البشعة لحقوق الانسان ، في بيوت الاشباح سيئة الذكر وغيرها من المواقع ، تواصل هذه العناصر العمل بنفس الاساليب في إنتهاك الحقوق الاساسية والحريات العامة ، وممارسة التعذيب والقتل. تلك الممارسات التي أذلت الشعب السوداني ، وإهدارت كرامته ، ودفعت الالف من خيرة بنيه للهجرة واللجؤ في أصقاع العالم المختلفة ، مكبدة الشعب خسائر لا تعوض من الكوادر البشرية التي يحتاج اليها الشعب السوداني للاخذ بيده في طريق التنمية والرخاء.
أن هذه العناصر الامنية تقوم بتوجيه العمليات الوحشية في دارفور ، وبقتل المتظاهرين العزل في بورسودان ، وإعتقال المواطنين دون جريمة مثل ما يحدث مع الدكتور مضوي إبراهيم ، وفتح بيوت أشباح جديدة مثل سجن أبو غريب في منطقة كوبر، غير عابية بقانون أو مواثيق أو إتفاقات سلام تم توقيعها ، وطاربة عرض الحائط بأي محاولات للانفتاح تتم على المستوى السياسي للدولة ، وتشعر بالقوة والحصانة من الدعم والتاييد السياسي الذي تلقاه من المجموعة الحاكمة - هذا إذا لم تكن هي نفسها المجموعة الحاكمة.
لقد سبق أن حذرت جهات معنية بحقوق الانسان خاصة المقررين الخاصين ولجنة حقوق الانسان من خطورة منح سلطات واسعة لاجهزة الامن ، ومنح الحصانة القانونية لافرادها ، الامر الذي يدفعهم الي المزيد من التجاوزات والانتهاكات. وللاسف الشديد جاءت بنود إتفاقية السلام بين الحكومة والحركة الشعبية خلوا من اي نصوص واضحة بخصوص المحاسبة ، بل أن هذه المجموعات الامنية قد منحت شبه حصانة قانونية ، ومن تشكل خطرا داهما على الاستقرار في البلاد وعائقا حقيقا لجني ثمرات السلام ، وإحداث تحول حقيقي في مسيرة الشعب السوداني نحو الديمقراطية والسلام.
أن السعي الجاد لفضح ممارسات هذه العناصر ، وكشفها ، والعمل على رفع الحصانة القانونية والسياسية عنهم ، وتقديمهم للمحاكمة العادلة تعد من المهام المطروحة بقوة على عاتق نشطاء حقوق الانسان ورجال القانون والساعين لتأسيس دولة السودان الجديد القائمة على حكم القانون.
أن مثل هذه الانتهاكات التي تعد في المقام الاول جرائم ضد الانسانية لا تسقط بالتقادم ، ولا يشكل إدعاء أفرادها إتباعهم للتعليمات دفاعا يعتد به في اي محاكمة عادلة ، كما لا يشكل وجود النظام الحالي واستمراره الي حين ضمانا وحصانة لهم من الملاحقة والمساءلة الشخصية ، والتي يمكن أن تطالهم فور تغير الظروف السياسية الحالية ، وحتى بعد أن يبلغوا من العمر عتيا كما يحدث لدكتاتور شيلي (بينوشيه) البالغ ارزال العمر و لازالت جرائمه تلاحقه ، كما أرجو أن يجدوا العبرة والاعتبار في إنتحار وزير الداخلية الاوكراني الذي عذبه ضميره بسبب إرتكاب إنتهاكات فظيعة لحقوق الانسان في عهده ، أخرها إتهامه بقتل أحد الصحفييين ، وإستدعائه للتحقيق في العهد الجديد. فهل يعتبرون؟؟

No comments:

Post a Comment